القائمة الرئيسية

الصفحات

اميل عضيمي شاعر الوجدان الجريح Emile Adaimy


 سيرة الشاعر اميل عضيمي:


إميل مارون عضيمي.
ولد في حارة حريك (ضاحية بيروت)، وفيها توفي.
عاش في لبنان، وكولومبيا.
درس في مدرسة حارة حريك حيث تعلم قراءة العربية بالحرف السرياني، ثم التحق بمدرسة الآباء الأنطونيين في بعبدا ثم مدرسة الحكمة.
مع نشوب الحرب العالمية الأولى (1914) أغلق معهد الحكمة، وعاد إلى مدرسة الآباء الأنطونيين وتتلمذ على وديع عقل حتى دخول الأتراك لبنان وإغلاق المعهد
فانصرف إلى المطالعة الحرة ودرس بعض الوقت على المحامي شربل التحومي.
أسهم في العمل الاجتماعي إبان الحرب الأولى.
هاجر إلى بوغوتا عاصمة كولومبيا (1920) وعمل بالتجارة، لكن ظروفه الصحية اضطرته إلى العودة لبلاده للاستشفاء وممارسة نشاطه الاجتماعي والأدبي حيث عين أمين سر نادي المغتربين (1936)، ثم انتخب رئيسًا للنادي (1940) حتى تأسيس الجامعة اللبنانية الثقافية التي تولى رئاستها مدة ثلاثين عامًا.
ربطته علاقات صداقة مع عدد من شعراء عصره وساسته ومثقفيه، ودُعي للترشح في برلمان بلاده (1957) عن المتن الجنوبي، ولكنه اعتذر.

نبذة عن حياة الشاعر اميل عضيمي:

أطل على الدنيا بإطلالة القرن العشرين 1901 ليبدأ معه الشوط من أوله..
ككل طفل لبناني عرف منسرحات الأرياف, بشمسها وظلالها, ينابيعها وصخورها, برملها وبحرها, بليمونها وصبيرها, بأجراس كنائسها وشموخ مآذنها, بمواسم أعيادها وحلويات لياليها, أكبّ على متع الطفولة ولا ارتواء وانتشى برائحة براءتها ولا اكتفاء.. فإذا بالرمال ملاعب, وإذا بالغدران والبحار ملء الأذرع, وإذا بالمطيََبات والأغاني ملء الأفواه, وإذا بمعجزات العمر الندي ملء الساحات والمخابئ.
وككل طفل لبناني كانت مدرسة القرية جنينة تفتّح البراعم..
ومن بعد مدرسة حارة حريك عرف الطفل النابه مدرسة الآباء الأنطونيين في بعبدا على ذلك المنحنى الأخضر, المطل على إحدى أجمل بقاع الساحل اللبناني المتطاول من بيروت حتى خلده ومشارف الشوف, فإذا بالتلة الخضراء امتداد لما كان للصبي في رياض ساحله من جولات ومطارح ذكريات, فتشبعت عيناه باكراً من زرقة البحر والسماء, ومن خضرة السفح والشطآن, فنشأ, ونشأ معه عطر التراب وعبق السماء, وحب الأرض والإنسان والله.
وينتقل العضيمي الناشئ الى مدرسة الحكمة في بيروت, حيث أمضى سنتين زاد في اثنائهما نشوء ومعرفة وتطلعاً الى الأبعاد, وكانت نهايتهما نشوب الحرب العالمية الأولى (1914) التي أقفلت أبواب المدارس والمعاهد, وسدّت منافذ الفكر وقضت على كل نشاط جمالي, فعاد اميل الى مدرسة الآباء الأنطويين من جديد ليتتلمذ بضعة أشهر على يد فقيد الشعر والأدب المرحوم وديع عقيل.
ومما لا شك فيه أن احتكاك الفتى الموهوب, بشاعر من عيار العبقريّ الداموريّ, ساكن بعبدا في تلك الأثناء, وناشر اسم محبوبته ثريا في محافل الأدب, أثار في موهبته تحفّزات جديدة نحو المنتظر, ووجَّهه صوب مطالع عالمه الأكبر.
وظل الفتى المتأهب للمغامرة يتأرجح في أحضان السنين القلقة الدامية, ويدور في غلك البيئة المحلية مشاهداً بأُمِّ العين ما قاساه اللبنانيون من ويلات وأهوال تلك الحروب العالمية, التي أطبقت بأظافرها الخشنة على أعناق الآلاف, ونشرت المجاعات في بطون الآلاف, ورمت الجثث الشوهاء بسخاء في الدروب والطرقات, وفتحت أبوب البحار أمام الهجرة القاسية, وهو الشاعر المرهف الحس العميق الوجدان, البالغ الانفعال, فراح يعمل رغم فتوته الطريّة, على مساعدة المعوزين, وتخفيف الفواجع, حاملاً في خياله الذكريات السّوداء الموحشة, التي سيجسّدها فيما بعد بالدم القاني في دواوينه التي أتت عليها نيران الحرب فقضت على نتاج العمر وحصيلة الأيام.
ولم يكن الديوان السابق (لبنان بجناحيه) 1978 إلا بعض ما استطاعت الذاكرة أن تستعيده, وبعض ما احتفظ به أصدقاء وأحباب فمنّوا به على صاحبه.
أما المجموعة الثانية (لبنان المباح) 1981 فهي من وحي المحنة التي مرّ بها.. طوبى للجمال عند الشعراء كيف ينبت رغم المحن والبشاعات.
ظلّ الفتى العضيمي في تأرجحه المتوثّب حتى عام 1920 إذ عصف في صدره الطموح إلى الأبعاد, فركب هوج البحار, وجهته الهجرة, عروسة المغامرين منذ أكثر من قرنين, صاحبة ((الطرحة)) المدمّاة, فحطّ الرّحال في كولمبيا من العام نفسه.
وهناك بدأ نضاله في حقلي التجارة والشعر فأخذت مزاياه في ميادين العمل والخلق والأدب والخطابة تتألق, فتحلّق حوله المغتربون في تلك الأقاصي, وتألّبوا على بواكير نتاجه, ينهلون منه صفاء لبنان, وأريحيّة أهليه, وجمالات طبيعته, فإذا بشعره ملء الأسماع وإذا القدر له بالمرصاد.
ذلك انه لم يطل المقام بذلك الصّبا المتألق حيويّة وشاعرية حتى هاجمه الداء بشراسة الضواري, غير عابئ بالسنوات التي لم تتجاوز العشرين إلا قليلاً, فأخذ يحطم بأعضاء ذلك المتمرّد ويقصفها عضواً فعضواً, ويفري لحمه فيلفظه فلذّة فلذة, ويبلغ به مشارف الهلاك المحتم, فضجّ لبنانيو كولومبيا لما أصاب زين الشباب, وهلعت قلوب الأهل والأقارب في الوطن والمغترب, وظلّ الصراع على عنفه بين اميل والقدر, حتى هبطت يدٌ من السماء رحيمة وانتشلت الشاعر الشاب من بين أشداق الموت.
ونزولاً عند رغبة الأطباء ونصيحتهم, عاد العملاق المحطم إلى لبنان عام 1925 لعلَّ في هواء الجبل المضمّخ بأريج الأرز ما يساعده على استرجاع بعض ما تهدّم من بنائه الريّان.
كان الألم في كل عصر ومصر وليّ نعمة الشعراء,يكوي ضلوعهم وأقلامهم, فإذا الضلوع في أسى والأقلام في ضنى.
ما أوجع الدهر عندما ينزل مخالبه بذوات المخالب وأسياد الآفاق...
على أنَّ اليد الرحيمة التي انتشلت الشاعر من بين أشداق الموت يوم كان في المهجر, عادت تمتدّ إليه من جديد لتنتزعه من بين غوائل الهزال والسقم, فإذا به يستعيد بعض ما أضاع من عافية ونشاط, وتهيّأ للرحلة المستجدّة في ميادين العمل الاجتماعي والأدبي...

المناصب التي تسنمها:

عيّن رئيساً لنادي المغتربين منذ السنة الخامسة لظهوره ليبقى حتى انبثاق جامعة لبنان في العالم. فيكون قد تسنّم تلك الرئاسة مدة ثلاثين عاماً دون انقطاع.

وإذا به يُعتبر أحد أعضاء الملاك الدائمين في تلك الجامعة لفرط ما وصف به من حدب على قضايا الاغتراب, وما قدَّم لها من تضحيات.

وإذا به يفوز برئاسة بلديّات الساحل المتحدة, بعد أن أجمعت على مبايعته إجماعاً كليّاً, وهو المتفاني في سبيل الخدمة العامة, رهن لها ريعان الصبا والشباب.

وإذا به أمير منبر في مختلف المواقف الوطنية, لاسيما في الأربعينات, عندما عرفته الأحداث السياسية والقومية وساحات بكركي في مواسم أعيادها, غرّيدها الصدّاح وحامي حماها في الأزمات.

وإذا به النائب الموعود في انتخابات الخمسينات النيابية, لو انه استجاب لإلحاح الرئيس كميل شمعون آنذاك, ولم يقدّم له بإباء وشمم بديلاً عنه الصديق الأديب الكبير ادوار حنين حسب إقرار هذا الأخير الرائع الشهم في المقدمة الساحرة لديوان الشاعر الأول (لبنان بجناحه).

هذا هو بعض اميل عضيمي الذي أحرقه الدَّهر وأحرق كتبه ومكتبته وبيته العامر فلم يبق منه - بعد أن تعرّض لحادث سيارة أعادته إلى ليالي الأسقام- سوى عصاتين تساعدا النسر على السير بقدمين واهيتين, تراخى من حولهما جناحان ممزقان, ولم يبق منه سوى نزر من فيضان قصائده, انتزعته الذاكرة من بين ألسنة النار, لتجعله ((جناحي لبنان)), وأضمومة قصائد غزلتها ألسنة النار الذي احبه شاعرنا الكبير اميل عضيمي حتى العبادة.
*من كتاب أوجه وكلمات.

قصائد الشاعر اميل عضيمي

أحلامٌ ورؤى 

 ضَحِكَتْ لي وردتي والفجر لاحْ 
أين ضِحْكُ الغِيد من ضِحْكِ الأقَاحْ 
ضحكةٌ فيها براءات الطفولةِ في الحب وإغراء الملاح 
ضحكةٌ روعاءُ في طَيَّاتها نغمةٌ سكرى وأسرارٌ تُباح 
رقصتْ روحي على أنغامها رقصةَ الغصن على رجع الصُّداح
ولها صفَّق قلبي مثلما صفّق الطَّيْرُ جناحًا لجناح 
وأباحت ليَ من إغرائها ومعاني حسنها ما لا يُباح 
وسقَتْني العطر من أنفاسها وهْيَ تُغريني بأنفاحٍ وراح 
فكأنَّ الورد صبٌّ عاشقٌ ضاق ذرعًا بالهوى الطّاغي فباح 
عَبَقٌ أسكَرَ روحي طيبُهُ وفؤادي وشفى منّي الجراح 
قد أيقظت روحي على عالمٍ للحب والسحر مُباح 
تشهد الأحلام فيه صورًا رائعاتٍ بين غِيدٍ وصُباح 
تتهادى راقصاتٍ طربًا بقُدودٍ سمهريّاتٍ صِحاح 
رُبَّ رقصٍ كان شعرًا رائعًا ونشيدًا بل صلاةً وصلاح 
واتاحت لي خيالات الرؤى من أفانين الهوى ما لا يُتاح 
إنّما الشاعر في نشوته قد يرى ما لا يراه أيُّ صاح 
رُبَّ سرٍّ كامنٍ أو جوهرِِ كشفَ الوحيُ خفاياه فلاح 
وردةً بيضاء أم حوريةً زفّها الفجر إلى روحي وراح 
ما ترى الإكليل يعلو رأسها وتراها كيف لُفَّت في وشاح 
وضَمْمتُ اليد في غيبوبةٍ من رؤى الروح بشوقٍ والتياح 
فإذا الوردةُ من أوراقها تتعرّى ثم تُذريها الرياح 
فتوارت فجأةً تلك الرؤى واختفت حوريَّتي بين الأقاح 
ذَرَّتِ اليقظةُ أحلامي كما ينثر الأحلامَ إشراقُ الصباح 
ليت دهري أَصَفا لي أو جفا لو أراح الروح منِّي واستراح

النشوة الخرساء
 
عَطَفَتْ عليّ وقد رأتني حائرًا وَجِلاً وفي عينيّ شيءٌ مبهمُ 
وعلى فمي المحموم أشياءٌ أُحاوِلُ أن أبوحَ بها فيعصيني الفم 
أفما ترى شفتيَّ كيف تُتَمْتِمَانِ، وكيف يخلج في عروقهما الدم 
والجسمَ كيف يذوب في رعشاته مما أكابده ومما
أكتم فحَنَتْ عليَّ برقَّةٍ وعذوبةٍ ورنَتْ إليَّ بطَرْفها تستفهم 
وجَلَتْ لها سِرِّي العيونُ وأدركت ما أشتكي عفوًا وما أتألّم _
فترقرقتْ في مقلتيْها دمعةٌ أنقى من الفجر النديّ وأرحم 
فقرأتُ في نظراتها آيَ الهوى ولمست روحًا بالمحبة تُفْعم 
ووجَمْتُ في مثل الخشوع وأطرقتْ ووقفتُ أحلم بالنعيم وتحلم __________
وإذا بنا روحان في جسدٍ معًا هذا وذاك لوجده مُستسلم 
وإذا بنا جسدان ضَمَّهُما الهوى في نشوةٍ خرساءَ لا تتكلّم

جمال الأمومة
 
عرفتُها في مهدها طفلةً وضَّاءةَ الوجه كنور الصباحْ 
تخالها في حسنها دميةً أو زهرةً من زهرات الأقاحْ 
ووردةُ الحسن رَوَاها الحياءْ فنوَّرت في الخدِّ أقمارُها 
وانبعثت من لحظها كهرباءْ تَغُلُّ في الأكباد أسرارها 
عرفتها أمّاً حنون الفؤادْ تُحْيي الليالي عند مهد الصغيرْ 
وقد ذَوىَ الخدُّ لفرط السُّهَادْ على ابنها تهَزُّ ذاك السريرْ 
وأنْحَلَ الجسمَ عذابُ الحياةْ وما حياةُ الأمِّ إلا عذابْ 
وتضحياتٌ إثْرها تضحياتْ بعد الصبا الزاهي ولهو الشباب 
ولاح في العينين نورُ الرضا وابتسمتْ للطفل رغمَ الجهود 
فما رأتها العينُ فيما مضى أجملَ منها عند مهد الوليد 
فإنَّ في الأم جمالاً خفيْ لا ينجلي إلا لسامي الشعور 
وهيبةً علياءَ لا تختفيْ يخشع عندها جلال الدهور

عين تصيد وقلب لا يحيد 

تعرَّضَ للسهام ورائشيها كأنَّ جراحه منها ورود _
ويخفق في الجراح فما يبالي عذابًا في هواه فيستزيد 
وكم غنّى الجراح جوًى ووجدً فكلُّ جراحه منه نشيد ___
فيا للقلب من سحر الغواني إذا لمعت يدٌ أو ضاء جِيد __
وجالت في محاجرها عيونٌ ومالت في غلائلها قُدود 
عيونٌ كلُّ لونٍ فيه سحرٌ فزُرقٌ تفتن الدنيا وسُود _
وخضرٌ كالبحار مَدًى وعمقًا فلا سرُّ الوجود ولا الوجود ____
مغلَّفةٌ بأجفانٍ تسيل النْــنُفوسُ على ظُباها والكُبود __
فيا قلبي اتَّئِدْ في الصدر واهدَأْ فعهدُ صِباك غاب فما يعود
أنت الان في اول موضوع
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع